فصل: تفسير الآيات (98- 99):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (97):

{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)}
{عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} قيل: هي استعارة بمعنى أنهم يوم القيامة حيارى، وقيل: هي حقيقة، وأنهم يكونون عمياً وبكماً وصماً حين قيامهم من قبورهم {كُلَّمَا خَبَتْ} معناه في اللغة سكن لهبها، والمراد هنا: كلما أكلت لحومهم فسكن لهبها بدلوا أجساداً أخر، ثم صارت ملتهبة أكثر مما كانت.

.تفسير الآيات (98- 99):

{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)}
{وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عظاما} استبعاد للحشر وقد تقدم معنى الرفات والكلام في الاستفهامين {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله} الآية احتجاج على الحشر، فإن السموات والأرض أكبر من الإنسان، فكما قدر الله على خلقها؛ فأولى وأحرى أن يقدر على إعادة جسد الإنسان بعد فنائه، والرؤية في الآية، رؤية قلب {أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ} القيامة أو أجل الموت.

.تفسير الآية رقم (100):

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}
{قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} لو حرف امتناع، ولا يليها الفعل إلا ظاهراً أو مضمراً، فلابد من فعل يقدر هنا بعدها تقديره: تملكون ثم فسره بتملكون الظاهر، وأنتم تأكيد للضمير الذي في تملكون المضمر {خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّى} أي الأموال والأرزاق، {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق} أي لو ملكتم الخزائن لأمسكتم عن الإعطاء خشية الفقر، فالمراد بالإنفاق عاقبة الإنفاق وهو الفقر، ومفعول أمسكتم محذوف، وقال الزمخشري: لا مفعول هل لأن معناه بخلتم، من قولهم للبخيل ممسك، ومعنى الآية وصف الإنسان بالشح وخوف الفقر، بخلاف وصف الله تعالى بالجود والغنى.

.تفسير الآيات (101- 102):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}
{تِسْعَ آيات} بينات الخمس منها الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، والأربع انقلاب العصا حية، وإخراج يده بيضاء، وحل العقدة من لسانه، وفلق البحر وقد وعد فيها رفع الطور فوقه، وانفجار الماء من الحجر على أن يسقط اثنان من الآخر، وقد وعد فيها أيضاً السنون، والنقص من الثمرات، روي أن بعض اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى السلطان ليقتله، ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنات، ولا تفروا يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت {فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي اسأل المعاصرين لك من بني إسرائيل عما ذكرنا من قصة موسى لتزداد يقيناً، والآية على هذا خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقال الزمخشري: إن المعنى قلنا لموسى اسأل بني إسرائيل من فرعون أي اطلب منه أن يرسلهم معك، فهو كقوله: أن أرسل معنا بني إسرائيل، فلا يرد قوله اسأل لموسى على إضمار القول، وقال أيضاً: يحتمل أن يكون المعنى: اسأل بني إسرائيل أن يعضدوك ويكونوا معك، وهذا أيضاً على أن يكون الخطاب لموسى، والأول أظهر.
{إِذْ جَآءَهُمْ} الضمير لبني إسرائيل، والمراد آباؤهم الأقدمون والعامل في إذ على القول الأوّل آتينا موسى أو فعل مضمر، والعامل فيه على قول الزمخشري القول المحذوف {مَسْحُوراً} هنا وفي الفرقان: أي سحرت واختلط عقلك، وقيل: ساحر {لَقَدْ عَلِمْتَ} بفتح التاء خطاب لفرعون، والمعنى أنه علم أن الله أنزل الآيات، ولكنه كفر بها عناداً كقوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] والإشارة بهؤلاء إلى الآيات مثبوراً أي هالكاً، وقيل: مصروفاً عن الخير، قابل موسى قول فرعون: إني لأظنك يا موسى مسحوراً بقوله وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً.

.تفسير الآيات (103- 104):

{فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}
{فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض} أي أرض مصر {اسكنوا الأرض} يعني أرض الشام {لَفِيفاً} أي جميعاً مختلطين {وبالحق أنزلناه} الضمير للقرآن، وبالحق معناه في الموضعين بالواجب من المصلحة والسداد وقيل: معنى الأول كذلك: ومعنى الثاني ضد الباطل. أي بالحق في إخباره وأوامره ونواهيه.

.تفسير الآية رقم (106):

{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)}
{وَقُرْآناً فرقناه} انتصب بفعل مضمر يدل عليه فرقناه، ومعناه بيناه وأوضحناه {على مُكْثٍ} قيل: معناه على تمهل وترتيل في قراءته، وقيل: على طول مدة نزوله شيئاً فشيئاً من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، وذلك عشرون سنة، وقيل ثلاث وعشرون.

.تفسير الآيات (107- 109):

{قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}
{قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا} أمر باحتقارهم وعدم الاكتراث بهم، كأنه يقول: سواء آمنتم أو لم تؤمنوا، لكونكم لستم بحجة، وإنما الحجة أهل العلم من قبله، وهم المؤمنون من أهل الكتاب {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} يعني المؤمنين من أهل الكتاب وقيل: الذين كانوا على الحنيفية قبل البعثة: كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، والأوّل أظهر، وهذه الجملة تعليل لما تقدم، والمعنى: إن لم تؤمنوا به أنتم، فقد آمن به من هو أعلم منكم {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} أي لناحية الأذقان كقولهم: خرّ لليدين وللفم، والأذقان جمع ذقن، وهو أسفل الوجه حيث اللحية، وإنما كرر يخرون للأذقان، لأن الأول للسجود، والآخر للبكاء.

.تفسير الآية رقم (110):

{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)}
{قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} سببها أن الكفار سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يا الله يا رحمن، فقالوا إن كان محمد ليأمرنا بدعاء إله واحد، وها هو يدعو إليهن، فنزلت الآية مبينة أن قوله الله أو الرحمن اسم لمسمى واحد، وأنه مخيّر في الدعاء بأيّ الاسمين شاء، والدعاء في الآية بمعنى التسمية كقولك: دعوت ولدي زيداً لا بمعنى النداء {أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى} أياّ اسم شرط منصوب بتدعوا، والتنوين فيه عوض من المضاف إليه، وما زائدة للتأكيد، والضمير في به لله تعالى، وهو المسمى، والمعنى أيّ هذين الاسمين تدعو فحسن، لأن الله له الأسماء الحسنى فموضع قوله: لله الأسماء الحسنى موضع الحال، وهو في المعنى تعليل للجواب، لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان.
{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} المخافتة هي الإسرار، وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بالقرآن في الصلاة، فسمعه المشركون، فسبوا القرآن ومن أنزله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوسط بين الإسرار والجهر، ليسمع أصحابه الذين يصلون معه، ولا يسمع المشركون، وقيل: المعنى لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها، واجعل منها سراً وجهراً، حسبما أحكمته السنة، وقيل: الصلاة هنا الدعاء.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل} أي ليس له ناصر يمنعه من الذل، لأنه تعالى عزيز لا يفتقر إلى وليّ يحميه، فنفى الولاية على هذا المعنى لأنه غنيّ عنها، ولم ينف الولاية على وجه المحبة والكرامة لمن شاء من عباده، وحكى الطبري أن قوله: لم يتخذ ولداً رد على النصارى واليهود والذين نسبوا لله ولداً، وقوله: ولم يكن له شريك: رد على المشركين، وقوله: ولم يكن له وليّ من الذل رد على الصابئين في قولهم: لولا أولياء الله لذل الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً {وَكَبِّرْهُ} معطوف على قل، ويحتمل هذا التكبير أن يكون بالقلب وهو التعظيم، أو باللسان وهو قوله أن يقول الله أكبر مع قوله الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً الآية.

.سورة الكهف:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}
{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} العبد هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالعبودية تشريفاً له، وإعلاماً باختصاصه وقربه، والكتاب القرآن {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} العوج بكسر العين في المعاني التي لا تحسن، وبالفتح في الأشخاص كالعصا ونحوها، ومعناه عدم الاستقامة، وقيل فيه هنا: معناه لا تناقض فيه ولا خلل، وقيل: لم يجعله مخلوقاً، واللفظ أعم من ذلك {قَيِّماً} أي مستقيماً، وقيل قيماً على الخلق بأمر الله تعالى، وقيل، قيماً على سائر الكتب بتصديقها، وانتصابه على الحال من الكتاب، والعامل فيه أنزل، ومنع الزمخشري ذلك للفصل بين الحال وذي الحال، واختار أن العامل فيه فعل مضمر تقديره جعله قيماً {لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً} متعلق بأنزل أو بقيماً، والفاعل به ضمير الكتاب أو النبي صلى الله عليه وسلم، والبأس العذاب، وحذف المفعول الثاني وهو الناس، كما حذف المفعول الآخر من قوله: وينذر الذين لدلالة المعنى على المحذوف {مِّن لَّدُنْهُ} أي من عنده، والضمير عائد على الله تعالى {أَجْراً حَسَناً} يعني الجنة {ماكثين فِيهِ} أي دائمين، وانتصابه على الحال من الضمير في لهم {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً} هم النصارى لقولهم في عيسى، واليهود لقولهم في عزير، وبعض العرب لقولهم في الملائكة {مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} الضمير عائد على قولهم، أو على الولد.
{كَبُرَتْ كَلِمَةً} انتصب على التمييزعلى الحال ويعني بالكلمة قولهم اتخذ الله ولداً: وعلى هذا يعود الضمير في كبرت.

.تفسير الآية رقم (6):

{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} أي قاتلها بالحزن والأسف، والمعنى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عن عدم إيمانهم {على آثَارِهِمْ} استعارة فصيحة: كأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا فهو يتبع آثارهم تأسفاً عليهم، وانتصب أسفاً على أنه مفعول من أجله، والعامل فيه باخع نفسك.

.تفسير الآيات (7- 8):

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} يعني ما يصلح للتزين كالملابس والمطاعم، الأشجار والأنهار وغير ذلك {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} أي لنختبرهم أيهم أزهد في زينة الدنيا {وَإِنَّا لجاعلون مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} المعنى إخبار بفناء الدنيا وزينتها، والصعيد هو التراب، والجرز: الأرض التي لا نبات فيها: أي سيفنى ما على الأرض من الزينة وتبقى كالأرض التي لا نبات فيها، بعد أن كانت خضراء بهجة.

.تفسير الآية رقم (9):

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آياتنا عَجَباً} أم هنا استفهام، والمعنى أحسبت أنهم عجب، بل سائر آياتنا أعظم منها وأعجب، والكهف الغار الواسع، والرقيم: اسم كلبهم، وقيل: هو لوح رقمت فيه أسماؤهم على باب الكهف، وقيل كتاب فيهم شرعهم ودينهم، وقيل هو القرية التي كانت بإزاء الكهف، وقيل: الجبل الذي فيه الكهف، وقال ابن عباس: لا أدري ما الرقيم.

.تفسير الآيات (10- 12):

{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}
{إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} نذكر من قصتهم على وجه الاختصار ما لا غنى عنه، إذ قد أكثر الناس فيها مع قلة الصحة في كثير مما نقلوا، وذلك أنهم كانوا قوماً مؤمنين، وكان ملك بلادهم كافراً يقتل كل مؤمن، ففروا بدينهم، ودخلوا الكهف ليعبدوا الله فيه ويستخفوا من الملك وقومه، فأمر الملك باتباعهم، فانتهى المتبعون لهم إلى الغار فوجدوهم، وعرفوا الملك بذلك فوقف عليه في جنده وأمر بالدخول إليهم، فهاب الرجال ذلك وقالوا له: دعهم يموتوا جوعاً وعطشاً، وكان الله قد ألقى عليهم نوماً ثقيلاً، فبقوا على ذلك مدّة طويلة ثم أيقظهم الله، وظنوا أنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاماً بدراهم كانت لهم، فعجب لها البائع وقال: هذه الدراهم من عهد فلان الملك في قديم الزمان من أي جاءتك؟ وشاع الكلام بذلك في الناس، وقال الرجل: إنما خرجت أنا وأصحابي بالأمس فأوينا إلى الكهف، فقال: هؤلاء الفتية الذين ذهبوا في الزمان القديم فمشوا إليهم فوجدوهم موتى، وأما موضع كهفهم، فقيل إنه بمقربة من فلسطين وقال قوم: إنه الكهف الذي بالأندلس بمقربة من لوشة من جهة غرناطة، وفيه موتى ومعهم كلب، وقد ذكر ابن عطية ذلك، وقال: إنه دخل عليهم ورآهم وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء يقال له الرقيم قد بقي بعض جدرانه، وروي أن تلك الذي كانوا في زمانه اسمه دقيوس، وفي تلك الجهة آثار مدينة يقال لها مدينة دقيوس والله أعلم.
ومما يبعد ذلك ما روي أن معاوية مر عليهم وأراد الدخول إليهم، ولم يدخل معاوية الأندلس قط، وأيضاً فإن الموتى التي في غار لوشة يراهم الناس، ولم يدرك أحد منهم الرعب، الذي ذكر الله في أصحاب الكهف {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف} عبارة عن إلقاء النوم عليهم، وقال الزمخشري: المعنى ضربنا على آذانهم حجاباً ثم حذف هذا المفعول {سِنِينَ عَدَداً} أي كثيرة {ثُمَّ بعثناهم} أي أيقظناهم من نومهم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً} أي لنعلم علماً يظهر في الوجود، لأن الله قد كان علم ذلك، والمراد، بالحزبين الذين اختلفوا في الكهف في مدة لبثهم، فالحزب الواحد: أصحاب الكهف والحزب الآخر القوم الذين بعث الله أصحاب الكهف في مدتهم وقيل: إن الحزبين معاً أصحاب الكهف إذ كان بعضهم قد قال: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وقال بعضهم: ربكم أعلم بما لبثتم، وأحصى فعل ماض، وأمداً مفعول به، وقيل: أحصى اسم للتفضيل، وأمداً تمييز، وهذا ضعيف، لأن أفعل من التي للتفضيل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ.